مدينة الخرطوم



*تاريخ المدن السودانية*
✍️✍️✍️✍️✍️

*صلاح شفيق همام*
✍️من الموسوعة العلمية الحرة✍️


*مدينة الخرطوم*


✍️الخرطوم هي عاصمة السودان وحاضرة ولاية الخرطوم، تقع عند نقطة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق (المقرن)، ليُشكلا معاً نهر النيل. وهي مركز الحكم في السودان حيث يوجد فيها مقر رئيس الجمهورية والحكومة، ورئاسة الوزارات المركزية المختلفة وقيادة القوات المسلحة السودانية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية من سفاراتوقنصليات، ومقر بعض المنظمات الإقليمية العربية  والإفريقية ومعظم المؤسسات السياسية للدولة. و هي  قلب أفريقيا بالنسبة لخطوط الطيران،وذلك لمرور خطوط الطيران التي تقطع شمال القارة تجاه جنوبها  وتلك التي تمر عبر غرب القارة وشرقها
✍️. يوجد بالمدينة العديد من الجامعات و الكليات  الحكومية والخاصة  والمؤسسات التعليمية المختلفة ورئاسات الشركات والبنوك الوطنية وفروع الشركات الأجنبية .

✍️يرجع تاريخ تأسيس الخرطوم كعاصمة، إلى العقود الأولى من القرن التاسع عشر أثناء فترة الحكم العثماني المصري في السودان حيثُ أتخذت عاصمة للبلاد، إلا أن تاريخها  كموقع استيطان بشري أبعد من ذلك بكثير فقد تواجد فيها الإنسان منذ العصر الحجري، كما كان موقعها موطن حضارة قديمة عُرفت بمملكة علوة وشهد القرن الماضي أول مرحلة  من مراحل ازدهارها عندما شيّدت العمارة في العهدالبريطاني المصري علي النسق المعماري الإنجليزي والذي لا يزال ماثلاً للعيان في الأبنية القديمة بجامعة الخرطوم وبعض المرافق الحكومية المطلة على النيل وتحول بعضها إلى متاحف مفتوحة للجمهور، وفي بعض الجسور القديمة المقامة على نهر النيل والتي تربطها بما يحيط بها من  مناطق حضرية. يبلغ عدد سكان مدينة الخرطوم 2,682,431 نسمة، وهي بذلك سادس مدينة من حيث عدد السكان في إفريقيا (ولا يشمل الرقم باقي سكان العاصمة المثلثة البالغ عددهم 5,172,0000 تقريباً) ويمثل سكانها مختلف الإثنيات  والمجموعات السكانية من داخل السودان  وخارجه بالإضافة إلى أعداد كبيرة من اللاجئين وغيرهم من الوافدين السياسيين، والمناخ في الخرطوم معتدل في فصل الشتاء مع إرتفاع في درجات الحرارة في الصيف وهطول أمطار غزيرة في موسم الخريف، وتتميز المدينة بموقعها الإسترتيجي في وسط السودان حيث التقاء النيل الأزرق بالنيل الأبيض  الذي جعل منها منطقة جذب سياحي تزخر بالمعالم الطبيعية والأثرية، ومحور نقل  وإتصالات محليّة وإقليمية.

✍️الخرطوم الكبرى

الخرطوم الكبرى تتألف من الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان.
يتعين التمييز بين الخرطوم العاصمة القومية أو العاصمة المثلثة كما يطلق عليها أحياناً، والخرطوم الولاية، وبينهما وبين الخرطوم المدينة، أو الخرطوم عموم كما تسمى. ويقصد بالعاصمة المثلثة التجمع الميتروبوليتي  المتكوّن من  المدن الثلاث التي تنتشر فيها المصالح والدواوين الحكومية وترتبط مع بعضها البعض جغرافياً وإدارياً واجتماعياً، وهي الخرطوم عموم الواقعة على الضفة الجنوبية والغربية للنيل الأزرق والضفة الشرقية للنيل الأبيض، والمدينة الثانية هي             أم درمان وتقع على الضفة الغربية للنيل الأبيض ونهر النيل أي المجرى الذي يتكون من النيلين الأزرق والأبيض بعد التقائهما عند نقطة المقرن. والمدينة الثالثة هي الخرطوم بحري (أي الخرطوم شمال، كما تسمى باللغة الإنجليزية. لفظ بحري باللهجة المصرية يرادف لفظ شمال بالفصحي) وتقع على الضفة الشمالية للنيل الأزرق والضفة الشرقية لنهر النيل. وأما الخرطوم الولاية، أي ولاية الخرطوم فهذه تشمل  المدن الثلاث وضواحيها وبعض المناطق المحيطة بها وهي إحدى ولايات السودان.

✍️أصل التسمية

اختلفت الروايات حول سبب تسمية المدينة بهذا الاسم وحول أصل التسمية ومعنى اللفظ. فهناك من يقول بأن  التسمية ترجع إلى شكل قطعة الأرض التي تقع عليها المدينة والتي يشقها نهري النيل ويلتقيان فيها مع بعضهما في شكل انحنائي يرسمان بينهما قطعة أرض أشبه بخرطوم الفيل وهو الرأي الراجح ، إلا أن الرحالة البريطاني كابتن جيمس جرانت الذي رافق الكابتن جون اسبيك في رحلته الاستكشافية لمنابع النيل ذكر بأن الاسم مشتق من زهرة القرطم التي كانت تزرع بكثافة في المنطقة لتصديرها إلى  مصر لاستخراج الزيت منها للإنارة وقد استخدمها الرومان عند غزوهم لمصر ووصولهم إلى شمال السودان حيث عثروا على زهرة القرطم في موقع الخرطوم الحالي واستخدموا الزيت المستخرج من حبوبها في علاج جروح جنودهم. وهناك أيضاً تفسيرات أخرى للإسم لا سند  لها مثل «خور التوم» نسبة إلى شخص يدعى التوم.
والخرطوم في اللغة هو الأنف من الإنسان ،حيث قال  تعالي :(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ )،( قرأن كريم، سورة القلم، آية 15، 16) أي سوف نجعل له الوسم بالسواد على أنفه، وقيل على وجهه فيكون له وسمة . وقال قتادة سنسمه على الخرطوم بمعنى أن نضع سيما على أنفه. والمعني من الآيات هو الوليد بن المغيرة.

والخرطوم هو أيضاً اسم لأنف السبع أو الفيل وهو ما  يتماشى لغوياُ مع معنى تسمية الخرطوم.

✍️التاريخ

✍️ مقالة مفصلة: تاريخ السودان

تأسست الخرطوم كمدينة على يد الجيش التركي المصري في عهد الخديوي محمد على باشا عندما ارسل جيشه لضم  السودان إلى مُلكه بقياده ابنه الثالث إسماعيل كامل باشا عام 1821م، واتخذها الأتراك في البداية معسكراً لجيوشهم ثم تحولت إلى عاصمة لهم في عهد عثمان جركس باشا البرنجي عام 1824م وذلك بعد تعيينه حكمدارا (حاكماً) على السودان خلفا للحكمدار محمد بك خسرو الدفتردار.

✍️التاريخ القديم



يعود تاريخ الخرطوم كمستوطنة بشرية إلى عصور سحيقة حيث أكدت المستحثات  على أن الإنسان قد استوطن في موقع الخرطوم الحالي منذ سنة 4000 قبل الميلاد، وتم العثور على أدوات تعود إلى العصر الحجري في منطقة خور أبو عنجة في مدينة أم درمان الحالية القريبة من الخرطوم، إضافة إلى بقايا أثرية لمستوطنات  يرجع تاريخها إلى عهد مملكتي نبتة ومروي في الفترة من 7500 قبل الميلاد إلى 350 بعد الميلاد.
 وتقول مصادر أخرى ترجع في  تاريخها إلى القرن السادس عشر الميلادي بأن المكان الذي تقوم عليه الآن الخرطوم كان عبارة عن أحراش وغابات، وكان يبعد عن مدينة سوبا عاصمة مملكة علوة، إحدى الممالك المسيحية القديمة في السودان، حوالي 24 كيلومتر (15 ميل). وفي القرن السادس عشر قام سكان جزيرة توتي التي تقع في مجري نهر النيل المقابل للمكان - وكانوا ينتمون إلى قبيلة (المحس) النوبية - بزراعة المكان، قبل أن  يقيم فيه أحد فقهائهم ويدعى الشيخ أرباب العقائد مدرسة لتعليم القرآن ويتحول تدريجياً إلى منطقة سكنية.

✍️الممالك المسيحية

ورد ذكر سوبا نباعتبارها عاصمة لمملكة علوة وهي الآن المنطقة الجنوبية للخرطوم في كتب عدد من الرحالة العرب والمسلمين، فقد ذكرها اليعقوبي بقوله «والمملكة الثانية من النوبة الذين يقال لهم علوة .
 وفي سنة 3600 هجرية (970، ميلادية) زار منطقة الخرطوم أحمد بن حوقل ، ودون في كتابه صورة الأرض أنه تجول في منطقة سوباوذكر بأن بها جماعة من المسلمين، كما وصف منطقة النيل الأبيض وقال: «من وراء النيل نهر عظيم يسمى بحر أبيض  سكانه جنس من النوبة» وصف ابن حوقل سوبا بأنها «أوسع من الحبشة وعمارتها أكثر مما بالحبشة، ويخترق نيل مصر فيما بين مدنهم ونواحيهم. وقراهم عامرة خصبة كثيرة التمر والزرع والخضر. ومن أعمر بلادهم نواحي علوة وهي ناحية لها قرى متصلة وعمارات مشتبكة حتى إن السائر ليجتاز في الرحلة الواحدة بقرى عدة غير متقطعة الحدود، ذوات مياه متصلة بسواق من النيل»،
 كذلك كتب عنها  ابن سليم الأسواني في القرن العاشر الميلادي وقال إن «المسافة ما بين دنقلة إلى أول بلد علوة، أكثر مما بينها وأسوان. وفي ذلك من القرى والضياع والجزائر والمواشي والنخل والشجر والمقل الزرع والكرم، أضعاف ما في الجانب الذي يلي أرض الإسلام .. ومتملك علوة أكثر مالاً من متملك المقرة وأعظم جيشاً، وعنده من الخيل ما ليس عند المقرى، وبلده أخصب وأوسع»،أما أبو صالح الأرمني فقد ذكر عن سوبا بأن «بها جيش ومملكة عظيمة جداً وأعمال متسعة، وبها أربعمائة كنيسة. وهذه المدينة في شرقي الجزيرة الكبيرة بين البحرين الأبيض والأخضر، وجميع من بها نصارى يعاقبة، حولها ديارات متباعدة من البحر، ومنها ما هو على البحر، وبها كنيسة عظيمة جداً متسعة محكمة الوضع والبناء»
 هذه الكتابات تدل على أن منطقة  الخرطوم كانت منطقة حضارة مزدهرة إبان العصر المسيحي في السودان، وقبل تخريبها من قبل جحافل الفونج حتى أصبح «خراب سوبا» مضرب أمثال شعبية في السودان. ولا يعرف الكثير عن الخرطوم في عصر الفونج الذين أسسوا مُلكهم في السودان بتحالف مع قبائل العبدلاب واقاموا عاصمتهم في سنار، سوى استمرار مدارسها وخلاويها القرآنية في تدريس علوم الدين وأبرزها مدرسة  اسلانج القرآنية بجزيرة إسلانج الواقعة في شمال مدينة الخرطوم وقد تأسس بها أول مسجد هو مسجد حمد النجيض الجموعي في عهد عجيب المانجلك واشتهرت بتعليم القرآن وتوافد اتباع الطريقة القادرية إحدى الطرق الصوفية الرئيسية في السودان.

✍️العهد التركي (1821- 1885)


يبدأ التاريخ الحديث لمدينة الخرطوم مع مجيء جيش الغزو (التركي-المصري) إلى السودان بقيادة إسماعيل كامل باشا ابن محمد علي باشا خديوي مصر، والذي حط رحاله عليها وهو في طريقه إلى سنار عاصمة  السلطنة الزرقاء التي كانت تحكم تلك المناطق في عام 1821م، وأقام فيها معسكراً لجنوده على بعد ميل واحد (1,66 كيلومتر ) من  ضفة النهر وفي منطقة السكة الحديدية الحالية، ولكنه اختار أولاً مدينة
 ود مدني الواقعة بين سنار والخرطوم عاصمة جديدة للبلاد. ولم يطب المقام للأتراك في مدينة ود مدني بسبب مناخها الجاف، ولذلك عندما جاء الأميرالاي عثمان جركس باشا البرنجي، الذي عين حاكماً على السودان(1823 - 1825) م ومر على ملتقى النيلين(الأزرق والأبيض) وهو في طريقه إلى العاصمة ود مدني أُعجِب بالمكان وبقي في معسكر الخرطوم ثم أمر ببناء الثكنات والقلاع فيه. فقرر إبراهيم باشا، ابن محمد علي باشاخديوي مصر، الانتقال إلى الخرطوم القديمة وإتخاذها عاصمة للسودان.

✍️بدأ الأتراك في بناء المدينة على طراز معماري جديد فشيدت المباني من الطوب الآجر واقيمت مباني الإدارات. وشهدت المدينة توسعاً في عهد خورشيد باشا حكمدارالسودان في سنة 1826 م، وفي عام 1850 أمر   الخديوي عباس بإنشاء مدرسة الخرطوم بينما قام الحكمدار عبد اللطيف 1849 - 1851 م بتأسيس حي «الحكمدارية»  ليكون مجمعاً لمباني الإدارة التركية ومساكن للقادة. وفي عهد الحكمدار إسماعيل أيوب 1873 - 1877 م وُضِعت  لبنات الصناعة في الخرطوم عندما تم تشييد معمل لصناعة الورق وآخر للبارود. وفي فترة الجنرال غوردون باشا حاكم  عام السودان الإنجليزي المصري تم بناء «بوابة المسلمية» وكانت تقع في مكان كوبري (جسر) المسلمية الحالي، جنوب مستشفى الخرطوم، فوق خط السكة الحديدية، و«بوابة الكلاكلة» وكان موقعها مكان كوبري الحرية الحالي، الذي تم تشييده إبّان عهد الرئيس إبراهيم عبود في مطلع ستينات القرن الماضي

وورد في كتاب تاريخ الخرطوم للمؤرخ السوداني محمد إبراهيم أبو سليم بأن أهم احياء الخرطوم في العهد التركية  شملت حي الحكمدارية، حيث مركز الحكم، وحي المسجد، والأحياء الشعبية في اطراف المدينة التي كان يسكنها عامة الناس، ومنها حى سلامة الباشا، وحي هبوب ضربانى، وحي الكارة، وحى الترس، الذي أخذ اسمه من الحواجز الترابية التي اقيمت جنوبه لحماية المدينة من فيضان نهر النيل الأبيض، وحي بري المحس (وهو الحي الوحيد الذي لا يزال  محافظاً على اسمه ولكنه غير مكانه إلى موقع آخر ليفسح المجال لبناء ثكنات الجيش البريطاني في فترة لاحقة (1900) والتي تحولت بعد الاستقلال  (1956) إلى مباني داخليات لطلاب جامعة الخرطوم.

✍️عهد الدولة المهدية (-1898-1885 )

عاشت الخرطوم فترة تاريخية عصيبة منذ بداية الثورة المهدية باعتبارها مقر حكم الغزاة. وكان من المتوقع أن تزحف إليها قوات المهدي المناوئة للحكم التركي في  السودان ووكيله خديوي مصر، في أي وقت بعد أن حققت انتصارات باهرة على القوات التركية في مختلف مدن السودان، آخرها كان الانتصار الكبير على الجنرال الإنجليزي وليام هكس باشا في سنة 1883 م في واقعة شيكان القريبة من مدينة الأبيض على بعد 588 كيلومتر(365 ميل)، حيث طلب المهدي من أحد انصاره في منطقة  الخرطوم وهو الشيخ محمد الطيب البصير بمحاصرة المدينة، وارسل إليه قوات مساندة بقيادة الأمير محمد عثمان أبو قرجة، وبوصول مدد آخر من القوات يقوده الأميرعبد الرحمن النجومي، تمكن الأنصار من إحكام حصارهم للخرطوم، وضاقت الحلقة حولها بوصول المهدي نفسه والذي عسكر بجيشه في منطقة               أبو سعد                     بأمدرمان سنة1884 م، قبل أن يدخلها منتصراً في 26 يناير / كانون الثاني 1885 م. وتقول المصادر البريطانية، بإن الخرطوم تعرضت لدمار كبير من قبل قوات الدراويش  الفاتحة والتي تمكنت من دك حصون الأتراك ووقع غوردون باشا صريعاً في قصره المطل على النيل الأزرق، إلا أن مصادر المهدية تؤكد بإن خليفة المهدي  عبد الله التعايشي أمر بعدم تخريب الخرطوم وعدم نقل مواد البناء منها إلى أم درمان، وأن المهدي قد غضب شديداً عندما علم بمقتل غوردون على يد قواته لأنه كان يريد القبض عليه حيّاً وأسره.

أقام كبار أنصار المهدي من أمراء وقادة في قصور الدولة وبيوت الأعيان في حي المسجد بينما أقام المهدي في قصر  يسمى «قصر الجاركوك» وكان قريباً من المسجد، وسكن الخليفة عبد الله التعايشي في سراي الحكمدار، أما أهالي  الخرطوم فقد تم جمعهم في الطرف الجنوبي من المدينة، ولم تستمر إقامة قادة المهدية طويلاً في الخرطوم حيث انتقلوا إلى أم درمان التي اتخذوها مقراً جديدا للحكم فيالسودان في مايو / أيار من عام 1885 م.

✍️الحكم الثنائي (1898- 1956)

فقدت الخرطوم مركزها كعاصمة للبلاد في عهد المهدية بعد أن اختار المهدي  مدينة أم درمان الواقعة على الضفة الأخرى من نهر النيل عاصمة للدولة، فأقيمت بها منشآت ودوواين الحكم من بيت مال وثكنات للجيش وسور لحمايتها وغير  ذلك. وفي تلك الفترة عانت الخرطوم من الإهمال الحكومي، وانتقلت التجارة والصناعة التقليدية إلى العاصمة الجديدة،   إلا أن هزيمة الدروايش في معركة كرري في ديسمبر /كانون الأول عام 1898م، وخروج الخليفة عبد الله التعايشي من    أم درمان أعاد الروح مجدداً إلى الخرطوم حيث قامت القوات البريطانية المصرية بقيادة اللورد كيتشنر بإعادة بناء المدينة باعتبارها العاصمة الرسميةللحكم الثنائي عام 1899 م، وقُدِمت عدة تصاميم هندسية لبناء الخرطوم الجديدة «الانجلو-مصرية .

وشهدت الخرطوم فترة استقرار سياسي وإجتماعي حتى وقعت حادثة اغتيال السير سير لي إستاك حاكم عام السودان في القاهرة حيث قررت انجلترا طرد الجيش  المصري من السودان في ظرف أربعة وعشرين ساعة واجلاء الموظفين المدنيين المصريين وذلك كرد قعل انتقامي على حادثة الأغتيال لتنفرد إنجلترا بحكم السودان مما أثار رد فعل عنيف وسط السودانيين الذين خرجوا في مظاهرات بقيادة جمعية اللواء الأبيض التى كان يرأسها الضابط السوداني علي عبد اللطيف والذى القي عليه القبض وادُخل  السجن ، وأدى ذلك بدوره إلى تأجج حالة الإستياء وسط سكان الخرطوم. وفي 27 نوفمبر / تشرين الثاني 1924 م  تمردت وحدة عسكرية تابعة لقوة دفاع السودان الخاضعة للحكومة الإستعمارية. وكان يقود الوحدة الضابط السوداني عبد الفضيل الماظ. تحركت الوحدة من الخرطوم في اتجاه مدينة الخرطوم بحرى الوافعة على الضفة الشمالية لنهرالنيل الأزرق واعترضتها قوة إنجليزية في موقع قريب من  جسر النيل الأزرق الذي يربط بين المدينتين واندلعت معركة سقط فيها العشرات من الجانبين و أحدثت موجة من الهلع وسط السكان الذين فرت أعداد منهم إلى الأحراش المحيطة بالمدينة وتمكنت القوة الإنجليزية من القضاء على تمرد الجنود والضباط السودانيين وذلك بمحاصرة الضابط عبد الفضيل الماظ في مستشفى الخرطوم وقصفه بالمدافع الثقيلة. وعرفت تلك الأحداث في السودان بثورة 1924.

✍️وفي أثناء الحرب العالمية الثانية إبّان حملة شرق إفريقيا، دخلت الخرطوم في أتون الصراع بين دول الحلفاء في المنطقة ودول المحور ممثلة بإيطاليا التي كانت تحتل الحبشة و إريتريا والصومال الإيطالي. وفي 23 أغسطس /آب 1940 م، أغارت طائرة حربية إيطالية على الخرطوم تلتها غارة جوية أخرى في اليوم التالي على أم درمان أدت إلى مصرع 3 أشخاص وفي 10 سبتمبر / تشرين من العام  ذاته ألقت طائرة حربية إيطالية بقنابلها على مشارف الخرطوم .

بإنتصار الحلفاء طلب السودانيون من انجلترا الوفاء بوعدها لهم بمنح السودان حق تقرير المصير وبدأت حكومتا الحكم الثنائي في مناقشة هذه المطالب مع الأحزاب السودانية وبعد استيلاء الضباط الأحرار على السلطة في مصرواختيار اللواء محمد نجيب رئيساً لمجلس قيادة الثورة المصرية، جاء محمد نجيب إلى الخرطوم - وهو من مواليدها - لإفتتاح البرلمان السوداني الجديد الذي سيتولى مهمة الإقتراع على استقلال السودان أو وحدته مع مصر. وشهدت الخرطوم إبّان زيارته احداثاً دامية في مطار الخرطوم الدولي عندما اصطدمت اعداد كبيرة من المؤيدين للإستقلال التام للسودان  وسقط عدد من القتلى والجرحى وعُرفت تلك الحوادث بحوادث مارس  1954. وفي يوم الأحد أول يناير / كانون الثاني شهدت الخرطوم احتفالات حاشدة حيث تم رفع علم الإستقلال على سارية سرايا الحاكم العام التي تغيّر اسمها إلى القصر الجمهوري.

✍️التاريخ المعاصر

في الفترة التي تلت إستقلال السودان في عام 1956م شهدت الخرطوم عدة أحداث وفعاليات سياسية وطنية وإقليمية ودولية، فإلى جانب قيامها بدور العاصمة السياسية للسودان ومقراً للحكم فقد استضافت عدداً من المنظمات الإقليمية التي تم إبرام اتفاقيات إنشائها في السودان وأصبحت مدينة الخرطوم مقراً لها. ففي فبراير /شباط 1957 ، تم تأسيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في  الخرطوم التي كانت أول مقر له قبل إنتقال المقر إلى القاهرة وفي الخرطوم تم تنظيم أول بطولة لكأس الأمم الإفريقية  وفي فبراير / شباط 1969 ، تم إنشاء اتحاد إذاعات الدول العربية في الخرطوم وانعقدت في التاريخ نفسه أول جلسة لجمعيته العامة في الخرطوم.[39] وفي  11مارس       / آذار 1970 تم إنشاء المنظمة العربية للتنمية  الزراعية لتكون المدينة مقراً لها. وفي الشهر ذاته من عام 1975    بدأ المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقياأعماله إنطلاقاً منها وفي أبريل / نيسان  تم في  الخرطوم الإعلان عن إنشاء منظمة الأحزاب السياسية الإفريقية  وفي نوفمبر / تشرين الأول 1976 م،  تأسست في الخرطوم الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي

كما شهدت الخرطوم إنعقاد عدة مؤتمرات قمة عربية وإفريقية مهمة حيث انعقد فيها في عام 1967 م، مؤتمر القمة العربي الرابع المعروف باسم قمة اللاءات الثلاثة .

 وفي عام 2006 م ، مؤتمر القمة العربية الثامنة عشرة كما إنعقد فيها مؤتمران للقمة الإفريقية أحدهما في عام1978 والآخر في عام 2006 [46][47] إلى جانب إنعقاد  مؤتمرات أخرى على مستوى وزاري مثل مؤتمر وزراء دفاع وقادة دول شرق أفريقيا في عام 2012 م.

في عام 1973، كانت المدينة مسرحاً لأزمة رهائن عندما قامت مجموعة تابعة لمنظمة أيلول الأسود الفلسطينية  بإقتحام حفل استقبال كان يقيمه عميد السلك الدبلوماسي بالخرطوم سفير المملكة العربية السعودية لوداع مستشار  بالسفارة الأمريكية واحتجاز عدد من المدعوين وتقدمت بمطالب لم تتم الإستجابة لها، ومن بينها اطلاق سراح أحد رفاقها من السجون الأردنية فقامت بإغتيال السفيرالأمريكي الجديد آنذاك ومستشار السفارة المحتفى به، والقائم بالأعمال البلجيكي،وأفرجت عن الرهائن الآخرين بمن فيهم السفير السعودي والسفير الأردني ثم استسلمت للسلطات السودانية التي قامت باعتقال أفرادها وسلمتهم لاحقاُ لمنظمة التحرير الفلسطينية [48].

وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي استقبلت الخرطوم موجات متعاقبة من اللاجئين و النازحين  والمهجرين، الوافدين من مناطق النزاعات المسلحة والجفاف في البلدان المجاورة مثل تشاد و إريتريا و إثيوبياو أوغندا أفلح بعضهم في الإندماج في مجتمعها، في حين  اقام البعض الآخر في أحياء بضواحي المدينة. وفي منتصف الثمانينيات استقرت حول الخرطوم أعداد كبيرة من السودانيين النازحين من مناطق الصراع في جنوب السودان و دار فور

وفي يوم 14 اغسطس / آب 1994 م، تم في الخرطوم إعتقال الفنزويلي  كارلوس الملقب بابن آوى والمطلوب من  قبل السلطات الأمنية في عدد من الدول الغربية وتم نقله من الخرطوم إلى باريس.[49]

أقام أسامة بن لادن في حي الرياض بالخرطوم في الفترة من عام 1991 وحتى  1996 م [50]، قبل أن يتم أبعاده منها. وفي أعقاب تفجيرات السفارة الأمريكية في كل من كمبالا و دار السلام في عام 1998 م، اتهمت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة الذي كان يتزعمه بمسؤولية التفجيرات وقامت في 20 أغسطس / آب من العام نفسه بشن هجمات بصواريخ كروز 20 على مصنع الشفاء للأدوية بمدينة الخرطوم بحري القريبة من الخرطوم مما أدى إلى  توتر دبلوماسي بينها وبين السودان، وأصبحت أنقاض المصنع منطقة جذب سياحي.



✍️الجغرافيا

✍️الموقع

تقع الخرطوم في منتصف المساحة المأهولة في السودان تقريباً شمال شرق وسط البلاد بين خط العرض166 درجة شمالاَ وخط العرض 15 درجة جنوباَ وخطي الطول 21 درجة غرباً و24 درجة شرقاَ، وتتمدد مساحتها البالغة 20736 كيلو متر (12884 ميل ) مربع بين الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق من الناحيتين الشرقية والشمالية والضفة الشرقية للنيل الأبيض من الغرب وسهل الجزيرة تجاه  الجنوب وهي المنطقة القابلة لتمدد المدينة عمرانياً.

وتتوسط الخرطوم ولايات كسلا والقضارف والنيل والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان.وهي أيضأ قريبة من ولايات النيل الأزرق والشمالية وسنار وجنوب كردفان وتفصلها عن ولايات دار فور الكبرى ارض صحراوية وشبه صحراوية جرداء فقط.

✍️الصورة الطوبوغرافية

تقع الخرطوم على ارتفاع 382 متر (1,253,28 قدم ) فوق سطح البحر فوق أرض سهلية مستوية السطح مع انحدار طفيف نحو مجرى نهر النيل تتخللها تلال ونتوءات صخرية و كثبان رملية متفرقة مما يعطي صورة لتضاريس  منبسطة  مع تموجات طفيفة، وتتخلل هذا المشهد الطبيعي أيضاً طبقات وأرصفة أودية نيلية و خيران أبرزها خور جانقي في  منطقة العُشَرَة والصحافة من جهة الشرق، ويتميز الجانب الذي يقع غرب النيل الأبيض بأنه أكثر انحداراً من جهة النيل الأزرق شرقاً، ولهذا فإن الخيران التي تقع في الغرب تصب  معظمها في النيل إبّان موسم الأمطار في حين نجد الخيران الواقعة في الشرق غير منتظمة الفيضان ومعظمها ليس سوى جروف واسعة تفشل في الوصول إلى النيل خاصة في الأماكن التي تغطيها مكونات رملية. ويشكل النيلين الأزرق و الأبيض أهم ظاهرة طبيعية للخرطوم حيث يلتقيان عند نقطة المقرن .

✍️جيولوجياً، تقع الخرطوم في حوض الخرطوم الذي يشكل جزء من حوض النيل الأزرق ويتكون من الصخور المتحولة و الصخور النارية التي تنتمي إلى حزام الموزمبيق وتظهر  بوضوح في منطقة السبلوقة شمال الخرطوم. والخصائص الجيولوجية المهمة في الخرطوم هي: الحجر الرملي النوبي، و الحجر الرملي المغطى بالجبس و التكتلات الصخرية الرسوبية . وتبين من دراسة بنية القشرة الأرضية لحوض الخرطوم باستخدام 33 محطات رصد دائمة للزلازل في نطاق 40 كيلومتر  (24,8 ميل) من وسط الخرطوم، بأن حوض الخرطوم هو واحد من عدة أحواض متصدعة في السودان مرتبطة مع نظام الأخدود الإفريقي الوسيط وأن  سمك القشرة الأرضية تحت حوض الخرطوم يتراوح ما بين 33 (20,5 ميل) و37 (22,9 ميل) كيلومتر بمتوسط قدره 35 ( 21,7 ميل) كيلومتر .

✍️ملتقى النيلين الأزرق والأبيض

✍️ مقالة مفصلة: النيل

يتميز النيل الأبيض الذي يأتي إلى الخرطوم من جهةالجنوب بإتساع مجراه وبطء جريانه وقلة انحداره حيث يشبه البحيرة الراكدة خاصة موسم فيضان النيل الأزرق. وبسبب قلة سرعة تياره تقل عمليات النحت في ضفافه ويزداد الإرساب، وعلى نقيض ذلك يتسم النيل الأزرق الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية شرقاً بسرعة التيار وشدة الانحدار  وعمق المجري. ويلاحظ المرء بوضوح ارتفاع ضفافه في المنطقة القريبة من المقرن على شارع النيل في الخرطوم  حيث تم بناء حائط على الضفاف اتقاء لفيضانه، في حين تنعدم هذه الإنشاءات في ضفاف النيل الأبيض كما يلاحظ  سرعة جريانه وقوة تياره من خلال دفعه لمياه النيل الأبيض إلى الوراء قليلاً عند التقائهما في نقطة المقرن، فضلاً عن ملاحظة الفارق في لون مياه مجراهما حيث يسود مياه النيل الأزرق لون الطمي البني الداكن، بينما تجري المياه شبه صافية بين ضفاف النيل الأبيض مما يعطيها بياضاً عند النظر إليها من علو، مقابل زرقة النيل الأزرق.

✍️الجزر النيلية

وتشكل أيضاً معالم سياحية طبيعية يزورها العديد من السياح ويقصدها سكان العاصمة المثلثة للاسترواح والتنزه وأثناءالعطلات والإجازات وأهم هذه الجزر:

✍️جزيرة توتي

مقالة مفصلة:
جزيرة توتي

جزيرة توتي  تقع بين النيل الأزرق من الشرق والجنوب،  قبالة أجمل مناطق الخرطوم (شارع النيل والمقرن) وينطلق منها النيل في رحلته نحو الشمال بعد التقاء رافديه الأزرق والأبيض من جهة الغرب. تحتضن الجزيرة قرية صغيرة مساحتها 8 كيلو متر مربع (3 أميال مربعة). يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وتتميز بشواطئها الرملية وبساتينها التي تنتج الفاكهة والخضر ومن بينها الليمون والبرتقال والجرجير. وتم ربطها بالخرطوم بجسر معلق طوله 310 متر. تستقبل القرية الزوار من العاصمة المثلثة والسياح لقضاءأوقات استجمام وترويح فيها، خاصة في أيام العطلات. وهناك محاولات لبناء منتجع سياحي كبير فيها.

✍️جزيرة التمساح

تقع في وسط النيل الأزرق بالقرب من قرية أم دوم جنوب  الخرطوم وعرفت بهذا الاسم نسبة لشكلها الذي يشبه شكل التمساح.

جزيرة البط

توجد فيها أعداد كبيرة من الطيور المائية المستوطنة والمهاجرة.

✍️الغابات

✍️غابة السنط

ههتقع في غرب الخرطوم بالقرب من مجرى نهر النيل الأبيض وتم إعلانها هي محمية طبيعية في عام 1939 م وتتكون معظم أشجارها من السنط الذي يقاوم مياه فيضانات النهر  خلال فصل الخريف، وتأوي الغابة أنواع عديدة من الطيور المستوطنة والمهاجرة مثل الأوز وطير البقر وخطاف البحروأبو منجل والبط والنورس النهري ومالك الحزين .

✍️الحزام الأخضر

وهو نطاق من الأشجار من الأشجار الفارعة الارتفاع كأشجارالبان التي تم استزراعها في الأطراف الجنوبية بغرض حماية المدينة من الزحف الصحراوي والحد من هبوب  الرياح القوية نحو المدينة من الجهة التي لا يجري فيها أحد فرعي النيل، إلا أن التوسع العمراني في العقود الأخيرة قد تجاوز حدود هذا النطاق.

✍️من أعلام الخرطوم

محمد نجيب و جمال عبد الناصر من أعلام  الخرطوم المشهورين



تشارلز غوردون باشا ارتبط اسمه ارتباطاً تاريخياً  وثيقاً بالخرطوم.

الإمبراطور هيلا سيلاسي، أحد القادة الذين لجأووا إلى الخرطوم

هناك أعداد كبيرة من المشاهير السياسيين وغير السياسيين السودانيين وغير السودانيين الذين ولدوا أو أقاموا في الخرطوم لفترات في حياتهم بسبب العمل أو الدراسة أو اللجوء ومن بينهم:

غوردون باشا، حاكم عام السودان ،مات في الخرطوم  عندما أقتحم الدراويش قصره وأردوه قتيلاً.ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الشهير الذي عمل في السودان عندما كان ضابطاً في الجيش البريطاني  وشارك في حملة إنقاذ غوردون حيث ألف كتابه حرب النهر متضمناً انطباعاته عن الخرطوم في تلك الفترة.الرئيس المصري اللواء محمد نجيب ولد في الخرطوم لأب مصري  وأم سودانية في عام 1901  
الرئيس المصري جمال عبد الناصر نقل للعمل في السودان بالجيش المصري في الخرطوم عام 1948
الأميرالاي المقبول الأمين الحاج، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ووزير داخلية سابق في عهد الرئيس إبراهيم عبود في عام 1958

.فاطمة أحمد إبراهيم، أول امرأة تصبح نائبة برلمانية في السودان والشرق الأوسط

.هيلاسلاسي  أمبراطور إثيوبيا لجأ إلى الخرطوم عندما اجتاحت القوات الإيطالية  بلاده عام 1939 ومن  الخرطوم إدار عمليات تحريرها.الرئيس  الأريتري أسياس أفورقي أقام في الخرطوم ومنها تحرك إلى بلاده ليعلن استقلالها عن إثيوبيا في  24مايو / أيار 1991 م،رئيس تشاد  إدريس ديبي

أسامة بن لادن أقام في الخرطوم في الفترة ما بين1991 و1996 

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.